المشكلات البيئية الساخنة والمهمات المؤجلة.. الى متى ؟!!
(القسم الأول )
تنظيف العراق من التلوث الاشعاعي.. هل سيتحقق يوماً ما ؟
د. كاظم المقدادي*
منذ ثمانية أعوام والمشكلات البيئية، حتى الساخنة والخطيرة منها، ليست ضمن أولويات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق في عام 2003 ولحد اليوم. ولم تعد التبريرات مقبولة، بل ومرفوضة، خصوصاً من قبل حكومة المالكي، التي سجلت لحد الآن أطول فترة ( 5 سنوات متواصلة)..
لقد سمع وقرأ المتابع الجيد تصريحات رنانة للمسؤولين العراقيين بشأن التلوث الأشعاعي طيلة الفترة المنصرمة، وكانت متخبطة ومتناقضة.فمرة ينفون، ومرة يؤكدون التلوث الأشعاعي الناجم عن مخلفات الحرب. وأعلنت وزيرتان( البيئة وحقوق الأنسان) بأنهما،سيقاضيان بحكم مسؤولية كل واحدة منهما في الحكومة كل من تسبب بجريمة تلويث البيئة العراقية أمام المحاكم الدولية..
وكان مركز الوقاية من الأشعاع التابع لوزارة البيئة قد أعلن عن وجود أكثر من 315 موقعاً ملوثاً، بينما قدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP بأن المناطق الملوثة الساخنة هي بالآلاف UNEP,Assessment of environmental " Hot spots" in Iraq, 2005)). لكن المركز زعم فيما بعد " خلو مياه واجواء وتربة العراق من الاشعاعات النووية". جاء ذلك في تقرير اصدره لشهر حزيران 2010. وأعلنت مديرة اعلام وزارة البيئة صباح محمد إن وزارتها" تؤكد عدم وجود اي مواد مشعة في تربة، وهواء، وماء العراق"، نافية ما تناقلته وسائل الاعلام عن هذا الموضوع ،بقولها "توجد لدينا كل الادلة والتقارير التي تثبت عدم صحة تلك الأنباء" .واوضحت أن "لدى وزارة البيئة مختبرات حديثة ومتطورة جداً وخبراء في هذا المجال وفرقاً متخصصة للكشف عن التلوث الإشعاعي والبحث ايضاً عن أي تلوث اخر يمس المنظومة البيئية في العراق"، مؤكدة أن "تقارير مركز الوقاية من الاشعاع تفيد بأن نسب الاشعاع في كافة مناطق العراق طبيعية جداً "("اَكانيوز"،26/7/2010).
التقرير المذكور لمركز الوقاية من الأشعاع جوبه بأنتقادات كثيرة، حيث كتب الناشط البيئي والأعلامي المهندس علاء كامل: ان التقرير بمضمونه العام يذكرني بمقالات كتبها الدكتور كاظم المقدادي طبيبب وأكاديمي وباحث عراقي في مجال اليورانيوم المنضب،مقيم في السويد ومنها: لمصلحة مَن يتسترون على حجم الأصابات السرطانية في العراق ?
لماذا التعتيم على التلوث الإشعاعي في العراق ؟ ؟
متى ينظف العراق كلياً من المخلفات القاتلة ؟
وستكون مراجعة هذه المقالات كافية للرد على الموضوع ؟؟؟("مدونةالبيئة العراقية"،1/8/2010).
وكتب الأعلامي جلال حسن في زاويته "كلام أبيض" يقول: قبل ايام طالعتنا وزارة البيئة عبر موقع حكومي تابع الى مجلس الوزراء تؤكد في تقرير صادر عن مركز الوقاية من الإشعاع التابع لها يقول:خلو التربة و المياه و المحاصيل الزراعية في العراق من الإشعاعات، باستثناء أماكن محددة، وقد بين التحليل المختبري لنماذج من المواد الغذائية والمياه الثقيلة والاهوار والهباب الذري صلاحيتها وخلوها تماما من الاشعاع، ونشر تحت عنوان " وزارة البيئة تؤكد خلو مياه وأجواء وتربة العراق من الاشعاعات النووية".في وقت أعترف فيه وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس قبل ايام وفي اكثر من موقع عربي باستخدام قوات التحالف اليورانيوم ضد العراق.
الى ذلك تعلن وزيرة البيئة في تصريحات صحفية كثيرة وفي اكثر من وسيلة اعلامية ان 140 ألف عراقي اصيبوا بمرض السرطان نتيجة استخدام اسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب وبحدود 2000 طن من اليورانيوم المنضب خلال عام 2003، وتشير إلى ظهور أكثر من 8000 حالة إصابة جديدة كل عام.وتوضح الوزيرة: بان ظهور حالات الإصابة بالسرطان جاء نتيجة تلوث 350 موقعا في العراق خلال عمليات القصف بأسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب،
هذه الارقام وغيرها حين تتزامن مع تصريحات من جهات رسمية تجعلنا نشعر بالأسف ان نقول : هناك اخطاء لا يمكن ان تصدر من جهة مختصة وهي وزارة البيئة المعنية أولا بهذا الشأن، بينما العالم الخارجي" مخبوص "على حجم التلوث الذي اصابنا، وبالتأكيد ان هكذا تصريحات،هي نتيجة لعدم الرجوع الى المصادر الموثوقة في صدق المعلومة المنشورة("المدى"، 3/8/2010).
وعلقت الكاتبة هيفاء زنكنه: تكفينا متابعة تصريحات وزيرة البيئة المتأرجحة ما بين الانكار المطلق لوجود أي تلوث اشعاعي في العراق وما يسببه من خراب بشري وبيئي وما بين فلتان بعض الحقيقة منها، احيانا، لنفهم منهجية التضليل الاعلامي المغلف بلغة هلامية، تصطبغ بالموضوعية، على شاكلة ' علينا أن نكون حذرين في الوصول الى استنتاجات حول الاسباب'، كما ذكرت في تعليق لها لصحيفة "الغارديان" في كانون الثاني/يناير 2010. وكانت الصحيفة قد نشرت تحقيقا عن دراسة علمية عراقية مشتركة (المفارقة هي اشتراك وزارة البيئة فيها) أثبتت ان هناك أكثر من اربعين موقعا في انحاء العراق كافة ملوثا بمستويات عالية من الاشعاعات النووية والمواد السامة مع تزايد ظهور اعراض الاصابة بالسرطان والتشوهات الولادية لدى السكان خلال السنوات الخمس الماضية. وكانت هذه الدراسة قد وجدت أن الخردة المعدنية للمعدات والتجهيزات العسكرية القديمة في وحول بغداد والبصرة تحتوي على نسب عالية من الاشعاع المتأين والذي يعتقد انه بقايا اليورانيوم المنضب الذي استعمل كذخيرة اثناء حرب الخليج الاولى عام 1991ومنذ بداية الغزو عام 2003
ولعل ما يعلق في الذهن أكثر من غيره، تشديد الوزيرة على: 'أن أهدافا خفية تقف وراء إثارة وجود علاقة بين التلوث الاشعاعي الناجم عن استخدام هذه الأسلحة وزيادة أمراض السرطان'، مما يدفعنا الى التساؤل عن طبيعة ' الاهداف الخفية' التي تدفعها هي وبقية المسؤولين العراقيين الى نفي العلاقة بين الإشعاع والتشوهات وامراض السرطان أولا، ثم الى التقلب والتنصل مما يبدر منهم بين آونة وأخرى من إعتراف بالحقائق(" القدس العربي"،15/10/2010).
وضمن هذا النهج،صارت وزارة البيئة تناكد حد المسخرة كل من يكشف عن وجود موقع ملوث بالأشعاع، فتسارع الى النفي، خاصة عندما كشف تحقيق لصحيفة بغدادية عن وجود تلوث إشعاعي في بناية المطعم التركي/ وزارة الشباب سابقاً،سارعت البيئة الى نفيه،أول الأمر، ولكن، عندما طلب المستأجر الجديد للبناية من وزارة العلوم والتكنولوجيا فحص الموقع، ووجد خبراؤها طابقاً ملوثاً بالأشعاع عاد خبراء البيئة ففحصوا الموقع وأكدوا وجود التلوث الأشعاعي ليس في طابق واحد وإنما في ثلاثة طوابق، لكن الوزارة "أفتت"، كالعادة، بأنه " لا يشكل مصدر قلق"("الصباح"،21/11/2009)، أي أنه "غير خطير"!!، جاهلة بان العلم الحديث قد أثبت بان لا مستوى من الأشعاع اَمناً مهما كان واطئاً..
ومن المهازل أنه في الوقت الذي أعلنت فيه مديرة مركز الإشعاع في وزارة البيئة بشرى علي احمد بأنه وبحسب المسوحات التي أجريت " خلو العراق وبصورة كاملة من الإشعاع"، أفادت دراسة عراقية رسمية بان اكثر من 40 موقعاً في مختلف انحاء العراق ملوثة بمستويات عالية من الاشعاع، وان وزارة البيئة(ممثلة بمركز الأشعاع) قد شاركت في اعداد الدراسة الى جانب وزارة العلوم والتكنولوجيا والصحة...!!
وكان خبير من مركز الوقاية من الإشعاع قد أجرى في عام 2009 عدداً من القياسات الإشعاعية، شملت المناطق الصحراوية جنوب البصرة، ومنطقة حفر الباطن، حيث تم قياس الإشعاعات على الآليات العسكرية بمحطة متعرضة لقذائف اليورانيوم المنضب، ومحطة ضخ خرنج،الواقعى قرب الحدود السعودية، والمتعرضة للقصف من قبل قوات التحالف.وأشار الخبير الفيزياوي محمد عبد الحليم في دراسته الى أنه توصل الى وجود زيادة في الخلفية الإشعاعية في منطقة حفر الباطن بمقدار 10 أضعاف مدينة بغداد.كما تم التوصل الى وجود علاقة بين التعرض للإشعاع المؤين والأصابة بمرض السرطان،وخاصة بين الأطفال الذين هم بعمر 11 عام، حيث كانوا أجنة عام 1991، وذلك لكون الإشعاع يؤثر بشكل كبير على الخلايا الحديثة التكوين.ودعا عبد الحليم الى ضرورة إتخاذ الإجراءات الأولية لحين إجراء إزالة للتلوث بشكل نهائي، من خلال تنظيف الأهداف المتعرضة للقصف،أو إحاطتها بشكل يمنع إنتشار التلوث،أو التقرب منها، فضلاً عن وضع العلامات التحذيرية قرب الأهداف المتعرضة للقصف، مع وضع حراسة مشددة على أماكن التلوث، حيث ان المخلفات الإشعاعية في هذه المناطق ذات نشاط إشعاعي عالي(،"البيئة والحياة"، السنة الثانية، العدد 29، 2009).
وكشف مسح جوي أنجزه فريق الكشف عن الاثار المشعة للمخلفات العسكرية واثار الحروب على العراق، التابع لمنظمة حماية البيئة، بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية/ فرع العراق، وجود اكثر من 143 موقعاً ملوثاً باليورانيوم ، في 7 محافظات، منها: 16 موقعاً ملوثاً باليورانيوم في محافظة ديالى، واكثر من 20 موقعاً في بابل،و 11 موقعاً في واسط،، و 14 موقعاً في ميسان، و 22 موقعاً في البصرة، و 20 موقعاً في الناصرية، وأكثر من 40 موقعاً ملوثاً في بغداد(ضياء ثابت،"الحوار المتمدن"،العدد: 3106، 26/8/2010).
وفي أواخر عام 2010 صدرت عن منظمة الصحة العالمية تقديرات تؤكد تزايد الأشعاعات الناتجة من الحروب والمخلّفات العسكرية. أكدت ذلك وزارة الصحة العراقية، معلنة بانها تقديرات قريبة من الواقع. وجاء في تصريح لمصدر في الوزارة نقله المكتب الصحافي لرئاسة الوزراء، أن الدراسات والبحوث أظهرت تلوّث معظم محافظات البلاد، خصوصاً البصرة، بمخلّفات عسكرية ملوّثة بالمواد المُشعّة، الأمر الذي ترك أثراً على شكل إصابات بالسرطان. ولفت المصدر ذاته الى تقارب تلك النتائج مع تقديرات منظمة الصحة العالمية حول نِسب التلوث بالإشعاعات الناجمة عن الحروب والمخلّفات العسكرية التي تشمل اليورانيوم المُنَضّب. وتبيّن أن المنطقة الجنوبية من العراق، لا سيما الحدود الغربية لمحافظة البصرة، هي أكثر المناطق تضرراً بالمواد المُشعّة (المركز الوطني للإعلام،20/12/2010).
وأوضحت القياسات الأشعاعية لمواقع ملوثة في المحافظات العراقية باليورانيوم المنضب بان الإشعاعات المنبعثة منها تفوق المعدل المسموح به بأضعاف المرات.فقد أفاد مسؤول بيئي: بان المعدل المسموح به في العراق بالنسبة لأشعة غاما هو(0.75) ملي راد بالساعة، في حين سجلت قراءة التلوث 15–30 ملي راد/ساعة. وإن المعدل المسموح به لأشعة ألفا وبيتا هو 40–50 عدة بالدقيقة (cpm) في حين مسجلت المواقع الملوثة بالأشعاع ما بين 4000–6000 عدة بالدقيقة"("المدى"،11/5/2011).
وبشأن التلوث الأشعاعي الخطير في موقع التويثة، أقر وزير العلوم والتكنولوجيا السابق رائد فهمي بان المواقع المشعة لاتزال تهدد حياة مئات العراقيين (" اَكانيوز"،29/8/2010).، مصححاً ما أعلنه قبل ذلك بان " التلوث الأشعاعي موجود ولا يشكل أي تهديد على صحة المواطن"(-"المدى"، 17 /12/2009).
وما أكثر المسؤولين الذين وعدوا مراراً وتكراراَ بان البيئة العراقية ستنظف " قريباً" من التلوث الأشعاعي..لكنهم فيما بعد ضربوا عرض الحائط كافة تصريحاتهم ونسوا وعودهم..
أما ضحايا التلوث الأشعاعي، وفي مقدمتهم مرضى السرطان، الذي نبه الأطباء العراقيون طيلة 18 عاماً الى تزايد أعدادهم عاماً بعد عام، فمرة أعلنت وزارة الصحة، بعد صمت طويل، بأن الأصابات السرطانية تتزايد، ولها علاقة بالتلوث الأشعاعي، منتقدة موقف وزارة البيئة منه، وطالبت بضرورة العمل الجاد للتخلص منه. وإنتهت مسؤليتها عند حد "الوعظ".. وياما إنبرى مسؤولون في وزارة البيئة،وغيرهم، ممن ليست الأمراض من مسؤوليتهم،لينفوا " حصول زيادة"، كاذبين مرات عديدة وبكل صلافة بان معدلات الأصابة بالسرطان "ضمن الحدود الدولية "!!.
وكانت وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان قد أقرت، في نيسان 2009، بوجود مخاطر كبيرة ستنجم عن وجود المخلفات الحربية المشعة. وطالبت بوقفة جادة للاهتمام بالواقع البيئي والصحي وتخليص (ميسان) من مخاطر التلوث الإشعاعي.لكن خطوات جدية وفاعلة لم تتخذ، وواصلت الحكومة تجاهلها وتسترها على ما تعانية البيئة العراقية منذ نحو ثلاثة عقود من خراب وتلوث باصناف المخلفات والنفايات الخطرة.لم تتخذ لحد اليوم، متذرعة بحجج مختلفة، إجراءات جدية وفاعلة لتنظيف وعزل سوى 10 % فقط من المناطق الملوثة-وفقاً لتصريح الوزيرة.وأكدت مديرة مركز الوقاية من الاشعاع بشرى علي بانه" لم يتم مسح اكثر من 80 في المائة من العراق حتى الان. وقالت: ركزنا على المواقع التي اصيبت بالتلوث بسبب الحرب. والمشكلة الكبرى التي تواجهنا هي عند سحب الدبابة المدمرة نجد اثار اشعاع جلية. ويتطلب التخلص من التلوث في هذه المواقع وقتا غير قصير". وثمة قلق واسع بشأن مواقع الخردة، التي تكثر في بغداد ومدن اخرى بين العاصمة ومدينة البصرة(The Guardian, UK, 22 January 2010 ).
ومن نتائج هذا الإهمال إصابة مئات الآلاف من العراقيين وخصوصآ من سكان هذه المناطق بأمراض سرطانية فتاكة. وقد إرتفع عدد المصابين بالأمراض السرطانية إلى 640 ألف مصاب، والعدد يزداد- بحسب الدكتورة لقاء الياسين - رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب ("المواطن"، 7/5/2011). وقد مات منهم، خلال السنوات المنصرمة، عشرات الآلاف، وفي مقدمة الضحايا براعم حاضر ومستقبل العراق- أطفاله. إضافة إلى تكاثر الولادات المشوهة، والاجهاضات المتكررة، والعقم، الذي أصاب حتى من أنجبوا قبل الحرب، وعلل مرضية أخرى غريبة وغير قابلة للعلاج، ستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.
علماً بان معظم المسؤولين أصحاب التصريحات الكثيرة والوعود الكاذبة ما زالوا يشغلون مراكزهم الرفيعة في الحكومة منذ 5 سنوات كاملة ولحد اليوم..
من نتائج الأنتخابات الأخيرة في اَذار / مارس 2009 تكليف المالكي للمرة الثانية قيادة دفة السلطة، وضمن نهج المحاصصة وتقاسم المغانم جرى تغيير وزراء: البيئة والصحة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارات أخرى ذات علاقة بالمشكلات البيئية وتداعياتها الصحية.وهم يمارسون مهامهم منذ عدة أشهر، بيد ان رئيس الوزراء لم يتخل عن موقفه الذي سلكه في حكومته السابقة، متجاهلاً المشكلات البيئية الساخنة، ولا أدل على ذلك من عدم إدراجها، بل ولم يفكر بها، ضمن أولويات حكومته الحالية.. فلماذا، ولمصلحة من ؟!!
قبل أيام قلائل أعلنت لجنة الصحة والبيئة بان المرحلة المقبلة ستشهد معالجة وازالة التلوث الإشعاعي المنتشر في بعض مناطق العراق.وقال عضو اللجنة النائب حبيب الطرفي ان"العراق بحاجة الى ان ينظر بجدية لمثل هذا النوع من المخاطر التي تحيط به وألمت بالكثير من أبناء الشعب من خلال تفعيل عمل وزارة البيئة وتوفير جميع وسائل النجاح لها".وتابع بإن" البيئة في العراق تعتبر من الأمور المعقدة والتي يجب الاهتمام بها،مشيراً إلى إن الوزارة المختصة بذلك وهي وزارة البيئة لم تكن تحضى بالأهمية المطلوبة وبالتالي فان هذا يعتبر خطأ كبير وخلل غير طبيعي في عملية البيئة والاهتمام بها،لافتاً إلى ان تسلسلها بين الوزارات يكون في المرتبة الثانية والعشرين وهذا دليل واضح على عدم الاهتمام بهذه الوزارة التي تعتبر من أهم الوزارات".وأوضح ان" وزارة البيئة يفترض ان تكون هي المقياس الحقيقي لأمور كثيرة ويجب أن يوفر لها المناخ الملائم لعملها ومفاصل الدولة بالكامل وتكون حاضرة في كل شئ،معتبراً عملية تهميش البيئة بهذه الصورة خطرة جدا ويجب إعادة النظر بالوزارة التي تعتبر من الوزارات المهمة جدا،وفي اغلب دول العالم المتطور تعتبر من الوزارات السيادية،أما في العراق فتعتبر في ذيل الوزارات وهذا أمر خطير"("الاخبارية"،4/6/2011
وقبل هذا، أقرت وزارة البيئة العراقية وجود مناطق عديدة في العراق ملوثة بالإشعاعات. وقال وزير البيئة سركون لازار في تصريح للصحفيين خلال زيارته لمحافظة كربلاء ان "هناك العديد من المناطق في البلاد تعاني من مشكلة التلوث الإشعاعي ومنها محافظات كربلاء والبصرة والموصل وغيرها"، مشيراً الى ان مخلفات الحروب التي خاضها البلد في السنوات السابقة من اهم مصادر التلوث الاشعاعي،. مبيناً بان القضاء على التلوث الأشعاعي يحتاج الى وقت وامكانيات كبيرة ("اَكانيوز"، 12/5/2011).
فهل ستحقق الحكومة الحالية خلال ما تبقى من عمرها ما لم تحققه الحكومات السابقة لمرضى السرطان ولمهمة التخلص من التلوث الأشعاعي ؟
شخصياً لا أعتقد ! لأن الحكومة ولدت عليلة، هزيلة، وعاجزة، ولذا خيبت آمال معظم العراقيين !
وهل ستنجح لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي الحالي بطرح مشكلة التلوث الأشعاعي ومحنة الأمراض السرطانية على مجلس النواب لمناقشتها وإتخاذ ما يلزم بشأنها تشريعياً،وإلزام الحكومة بوضعها ضمن أولوياتها، فتحقق منجزاً لم تفلح بإنجازه نظيرتها في الدورة السابقة، التي يوجد عدد غير قليل من إعضائها في الدورة الحالية ؟..
الواجب الوطني والأنساني والأخلاقي والناخب يلزمها بذلك !..
----
* د. كاظم المقدادي-منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا
(القسم الأول )
تنظيف العراق من التلوث الاشعاعي.. هل سيتحقق يوماً ما ؟
د. كاظم المقدادي*
منذ ثمانية أعوام والمشكلات البيئية، حتى الساخنة والخطيرة منها، ليست ضمن أولويات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق في عام 2003 ولحد اليوم. ولم تعد التبريرات مقبولة، بل ومرفوضة، خصوصاً من قبل حكومة المالكي، التي سجلت لحد الآن أطول فترة ( 5 سنوات متواصلة)..
لقد سمع وقرأ المتابع الجيد تصريحات رنانة للمسؤولين العراقيين بشأن التلوث الأشعاعي طيلة الفترة المنصرمة، وكانت متخبطة ومتناقضة.فمرة ينفون، ومرة يؤكدون التلوث الأشعاعي الناجم عن مخلفات الحرب. وأعلنت وزيرتان( البيئة وحقوق الأنسان) بأنهما،سيقاضيان بحكم مسؤولية كل واحدة منهما في الحكومة كل من تسبب بجريمة تلويث البيئة العراقية أمام المحاكم الدولية..
وكان مركز الوقاية من الأشعاع التابع لوزارة البيئة قد أعلن عن وجود أكثر من 315 موقعاً ملوثاً، بينما قدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP بأن المناطق الملوثة الساخنة هي بالآلاف UNEP,Assessment of environmental " Hot spots" in Iraq, 2005)). لكن المركز زعم فيما بعد " خلو مياه واجواء وتربة العراق من الاشعاعات النووية". جاء ذلك في تقرير اصدره لشهر حزيران 2010. وأعلنت مديرة اعلام وزارة البيئة صباح محمد إن وزارتها" تؤكد عدم وجود اي مواد مشعة في تربة، وهواء، وماء العراق"، نافية ما تناقلته وسائل الاعلام عن هذا الموضوع ،بقولها "توجد لدينا كل الادلة والتقارير التي تثبت عدم صحة تلك الأنباء" .واوضحت أن "لدى وزارة البيئة مختبرات حديثة ومتطورة جداً وخبراء في هذا المجال وفرقاً متخصصة للكشف عن التلوث الإشعاعي والبحث ايضاً عن أي تلوث اخر يمس المنظومة البيئية في العراق"، مؤكدة أن "تقارير مركز الوقاية من الاشعاع تفيد بأن نسب الاشعاع في كافة مناطق العراق طبيعية جداً "("اَكانيوز"،26/7/2010).
التقرير المذكور لمركز الوقاية من الأشعاع جوبه بأنتقادات كثيرة، حيث كتب الناشط البيئي والأعلامي المهندس علاء كامل: ان التقرير بمضمونه العام يذكرني بمقالات كتبها الدكتور كاظم المقدادي طبيبب وأكاديمي وباحث عراقي في مجال اليورانيوم المنضب،مقيم في السويد ومنها: لمصلحة مَن يتسترون على حجم الأصابات السرطانية في العراق ?
لماذا التعتيم على التلوث الإشعاعي في العراق ؟ ؟
متى ينظف العراق كلياً من المخلفات القاتلة ؟
وستكون مراجعة هذه المقالات كافية للرد على الموضوع ؟؟؟("مدونةالبيئة العراقية"،1/8/2010).
وكتب الأعلامي جلال حسن في زاويته "كلام أبيض" يقول: قبل ايام طالعتنا وزارة البيئة عبر موقع حكومي تابع الى مجلس الوزراء تؤكد في تقرير صادر عن مركز الوقاية من الإشعاع التابع لها يقول:خلو التربة و المياه و المحاصيل الزراعية في العراق من الإشعاعات، باستثناء أماكن محددة، وقد بين التحليل المختبري لنماذج من المواد الغذائية والمياه الثقيلة والاهوار والهباب الذري صلاحيتها وخلوها تماما من الاشعاع، ونشر تحت عنوان " وزارة البيئة تؤكد خلو مياه وأجواء وتربة العراق من الاشعاعات النووية".في وقت أعترف فيه وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس قبل ايام وفي اكثر من موقع عربي باستخدام قوات التحالف اليورانيوم ضد العراق.
الى ذلك تعلن وزيرة البيئة في تصريحات صحفية كثيرة وفي اكثر من وسيلة اعلامية ان 140 ألف عراقي اصيبوا بمرض السرطان نتيجة استخدام اسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب وبحدود 2000 طن من اليورانيوم المنضب خلال عام 2003، وتشير إلى ظهور أكثر من 8000 حالة إصابة جديدة كل عام.وتوضح الوزيرة: بان ظهور حالات الإصابة بالسرطان جاء نتيجة تلوث 350 موقعا في العراق خلال عمليات القصف بأسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب،
هذه الارقام وغيرها حين تتزامن مع تصريحات من جهات رسمية تجعلنا نشعر بالأسف ان نقول : هناك اخطاء لا يمكن ان تصدر من جهة مختصة وهي وزارة البيئة المعنية أولا بهذا الشأن، بينما العالم الخارجي" مخبوص "على حجم التلوث الذي اصابنا، وبالتأكيد ان هكذا تصريحات،هي نتيجة لعدم الرجوع الى المصادر الموثوقة في صدق المعلومة المنشورة("المدى"، 3/8/2010).
وعلقت الكاتبة هيفاء زنكنه: تكفينا متابعة تصريحات وزيرة البيئة المتأرجحة ما بين الانكار المطلق لوجود أي تلوث اشعاعي في العراق وما يسببه من خراب بشري وبيئي وما بين فلتان بعض الحقيقة منها، احيانا، لنفهم منهجية التضليل الاعلامي المغلف بلغة هلامية، تصطبغ بالموضوعية، على شاكلة ' علينا أن نكون حذرين في الوصول الى استنتاجات حول الاسباب'، كما ذكرت في تعليق لها لصحيفة "الغارديان" في كانون الثاني/يناير 2010. وكانت الصحيفة قد نشرت تحقيقا عن دراسة علمية عراقية مشتركة (المفارقة هي اشتراك وزارة البيئة فيها) أثبتت ان هناك أكثر من اربعين موقعا في انحاء العراق كافة ملوثا بمستويات عالية من الاشعاعات النووية والمواد السامة مع تزايد ظهور اعراض الاصابة بالسرطان والتشوهات الولادية لدى السكان خلال السنوات الخمس الماضية. وكانت هذه الدراسة قد وجدت أن الخردة المعدنية للمعدات والتجهيزات العسكرية القديمة في وحول بغداد والبصرة تحتوي على نسب عالية من الاشعاع المتأين والذي يعتقد انه بقايا اليورانيوم المنضب الذي استعمل كذخيرة اثناء حرب الخليج الاولى عام 1991ومنذ بداية الغزو عام 2003
ولعل ما يعلق في الذهن أكثر من غيره، تشديد الوزيرة على: 'أن أهدافا خفية تقف وراء إثارة وجود علاقة بين التلوث الاشعاعي الناجم عن استخدام هذه الأسلحة وزيادة أمراض السرطان'، مما يدفعنا الى التساؤل عن طبيعة ' الاهداف الخفية' التي تدفعها هي وبقية المسؤولين العراقيين الى نفي العلاقة بين الإشعاع والتشوهات وامراض السرطان أولا، ثم الى التقلب والتنصل مما يبدر منهم بين آونة وأخرى من إعتراف بالحقائق(" القدس العربي"،15/10/2010).
وضمن هذا النهج،صارت وزارة البيئة تناكد حد المسخرة كل من يكشف عن وجود موقع ملوث بالأشعاع، فتسارع الى النفي، خاصة عندما كشف تحقيق لصحيفة بغدادية عن وجود تلوث إشعاعي في بناية المطعم التركي/ وزارة الشباب سابقاً،سارعت البيئة الى نفيه،أول الأمر، ولكن، عندما طلب المستأجر الجديد للبناية من وزارة العلوم والتكنولوجيا فحص الموقع، ووجد خبراؤها طابقاً ملوثاً بالأشعاع عاد خبراء البيئة ففحصوا الموقع وأكدوا وجود التلوث الأشعاعي ليس في طابق واحد وإنما في ثلاثة طوابق، لكن الوزارة "أفتت"، كالعادة، بأنه " لا يشكل مصدر قلق"("الصباح"،21/11/2009)، أي أنه "غير خطير"!!، جاهلة بان العلم الحديث قد أثبت بان لا مستوى من الأشعاع اَمناً مهما كان واطئاً..
ومن المهازل أنه في الوقت الذي أعلنت فيه مديرة مركز الإشعاع في وزارة البيئة بشرى علي احمد بأنه وبحسب المسوحات التي أجريت " خلو العراق وبصورة كاملة من الإشعاع"، أفادت دراسة عراقية رسمية بان اكثر من 40 موقعاً في مختلف انحاء العراق ملوثة بمستويات عالية من الاشعاع، وان وزارة البيئة(ممثلة بمركز الأشعاع) قد شاركت في اعداد الدراسة الى جانب وزارة العلوم والتكنولوجيا والصحة...!!
وكان خبير من مركز الوقاية من الإشعاع قد أجرى في عام 2009 عدداً من القياسات الإشعاعية، شملت المناطق الصحراوية جنوب البصرة، ومنطقة حفر الباطن، حيث تم قياس الإشعاعات على الآليات العسكرية بمحطة متعرضة لقذائف اليورانيوم المنضب، ومحطة ضخ خرنج،الواقعى قرب الحدود السعودية، والمتعرضة للقصف من قبل قوات التحالف.وأشار الخبير الفيزياوي محمد عبد الحليم في دراسته الى أنه توصل الى وجود زيادة في الخلفية الإشعاعية في منطقة حفر الباطن بمقدار 10 أضعاف مدينة بغداد.كما تم التوصل الى وجود علاقة بين التعرض للإشعاع المؤين والأصابة بمرض السرطان،وخاصة بين الأطفال الذين هم بعمر 11 عام، حيث كانوا أجنة عام 1991، وذلك لكون الإشعاع يؤثر بشكل كبير على الخلايا الحديثة التكوين.ودعا عبد الحليم الى ضرورة إتخاذ الإجراءات الأولية لحين إجراء إزالة للتلوث بشكل نهائي، من خلال تنظيف الأهداف المتعرضة للقصف،أو إحاطتها بشكل يمنع إنتشار التلوث،أو التقرب منها، فضلاً عن وضع العلامات التحذيرية قرب الأهداف المتعرضة للقصف، مع وضع حراسة مشددة على أماكن التلوث، حيث ان المخلفات الإشعاعية في هذه المناطق ذات نشاط إشعاعي عالي(،"البيئة والحياة"، السنة الثانية، العدد 29، 2009).
وكشف مسح جوي أنجزه فريق الكشف عن الاثار المشعة للمخلفات العسكرية واثار الحروب على العراق، التابع لمنظمة حماية البيئة، بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية/ فرع العراق، وجود اكثر من 143 موقعاً ملوثاً باليورانيوم ، في 7 محافظات، منها: 16 موقعاً ملوثاً باليورانيوم في محافظة ديالى، واكثر من 20 موقعاً في بابل،و 11 موقعاً في واسط،، و 14 موقعاً في ميسان، و 22 موقعاً في البصرة، و 20 موقعاً في الناصرية، وأكثر من 40 موقعاً ملوثاً في بغداد(ضياء ثابت،"الحوار المتمدن"،العدد: 3106، 26/8/2010).
وفي أواخر عام 2010 صدرت عن منظمة الصحة العالمية تقديرات تؤكد تزايد الأشعاعات الناتجة من الحروب والمخلّفات العسكرية. أكدت ذلك وزارة الصحة العراقية، معلنة بانها تقديرات قريبة من الواقع. وجاء في تصريح لمصدر في الوزارة نقله المكتب الصحافي لرئاسة الوزراء، أن الدراسات والبحوث أظهرت تلوّث معظم محافظات البلاد، خصوصاً البصرة، بمخلّفات عسكرية ملوّثة بالمواد المُشعّة، الأمر الذي ترك أثراً على شكل إصابات بالسرطان. ولفت المصدر ذاته الى تقارب تلك النتائج مع تقديرات منظمة الصحة العالمية حول نِسب التلوث بالإشعاعات الناجمة عن الحروب والمخلّفات العسكرية التي تشمل اليورانيوم المُنَضّب. وتبيّن أن المنطقة الجنوبية من العراق، لا سيما الحدود الغربية لمحافظة البصرة، هي أكثر المناطق تضرراً بالمواد المُشعّة (المركز الوطني للإعلام،20/12/2010).
وأوضحت القياسات الأشعاعية لمواقع ملوثة في المحافظات العراقية باليورانيوم المنضب بان الإشعاعات المنبعثة منها تفوق المعدل المسموح به بأضعاف المرات.فقد أفاد مسؤول بيئي: بان المعدل المسموح به في العراق بالنسبة لأشعة غاما هو(0.75) ملي راد بالساعة، في حين سجلت قراءة التلوث 15–30 ملي راد/ساعة. وإن المعدل المسموح به لأشعة ألفا وبيتا هو 40–50 عدة بالدقيقة (cpm) في حين مسجلت المواقع الملوثة بالأشعاع ما بين 4000–6000 عدة بالدقيقة"("المدى"،11/5/2011).
وبشأن التلوث الأشعاعي الخطير في موقع التويثة، أقر وزير العلوم والتكنولوجيا السابق رائد فهمي بان المواقع المشعة لاتزال تهدد حياة مئات العراقيين (" اَكانيوز"،29/8/2010).، مصححاً ما أعلنه قبل ذلك بان " التلوث الأشعاعي موجود ولا يشكل أي تهديد على صحة المواطن"(-"المدى"، 17 /12/2009).
وما أكثر المسؤولين الذين وعدوا مراراً وتكراراَ بان البيئة العراقية ستنظف " قريباً" من التلوث الأشعاعي..لكنهم فيما بعد ضربوا عرض الحائط كافة تصريحاتهم ونسوا وعودهم..
أما ضحايا التلوث الأشعاعي، وفي مقدمتهم مرضى السرطان، الذي نبه الأطباء العراقيون طيلة 18 عاماً الى تزايد أعدادهم عاماً بعد عام، فمرة أعلنت وزارة الصحة، بعد صمت طويل، بأن الأصابات السرطانية تتزايد، ولها علاقة بالتلوث الأشعاعي، منتقدة موقف وزارة البيئة منه، وطالبت بضرورة العمل الجاد للتخلص منه. وإنتهت مسؤليتها عند حد "الوعظ".. وياما إنبرى مسؤولون في وزارة البيئة،وغيرهم، ممن ليست الأمراض من مسؤوليتهم،لينفوا " حصول زيادة"، كاذبين مرات عديدة وبكل صلافة بان معدلات الأصابة بالسرطان "ضمن الحدود الدولية "!!.
وكانت وزيرة البيئة السابقة نرمين عثمان قد أقرت، في نيسان 2009، بوجود مخاطر كبيرة ستنجم عن وجود المخلفات الحربية المشعة. وطالبت بوقفة جادة للاهتمام بالواقع البيئي والصحي وتخليص (ميسان) من مخاطر التلوث الإشعاعي.لكن خطوات جدية وفاعلة لم تتخذ، وواصلت الحكومة تجاهلها وتسترها على ما تعانية البيئة العراقية منذ نحو ثلاثة عقود من خراب وتلوث باصناف المخلفات والنفايات الخطرة.لم تتخذ لحد اليوم، متذرعة بحجج مختلفة، إجراءات جدية وفاعلة لتنظيف وعزل سوى 10 % فقط من المناطق الملوثة-وفقاً لتصريح الوزيرة.وأكدت مديرة مركز الوقاية من الاشعاع بشرى علي بانه" لم يتم مسح اكثر من 80 في المائة من العراق حتى الان. وقالت: ركزنا على المواقع التي اصيبت بالتلوث بسبب الحرب. والمشكلة الكبرى التي تواجهنا هي عند سحب الدبابة المدمرة نجد اثار اشعاع جلية. ويتطلب التخلص من التلوث في هذه المواقع وقتا غير قصير". وثمة قلق واسع بشأن مواقع الخردة، التي تكثر في بغداد ومدن اخرى بين العاصمة ومدينة البصرة(The Guardian, UK, 22 January 2010 ).
ومن نتائج هذا الإهمال إصابة مئات الآلاف من العراقيين وخصوصآ من سكان هذه المناطق بأمراض سرطانية فتاكة. وقد إرتفع عدد المصابين بالأمراض السرطانية إلى 640 ألف مصاب، والعدد يزداد- بحسب الدكتورة لقاء الياسين - رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب ("المواطن"، 7/5/2011). وقد مات منهم، خلال السنوات المنصرمة، عشرات الآلاف، وفي مقدمة الضحايا براعم حاضر ومستقبل العراق- أطفاله. إضافة إلى تكاثر الولادات المشوهة، والاجهاضات المتكررة، والعقم، الذي أصاب حتى من أنجبوا قبل الحرب، وعلل مرضية أخرى غريبة وغير قابلة للعلاج، ستتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.
علماً بان معظم المسؤولين أصحاب التصريحات الكثيرة والوعود الكاذبة ما زالوا يشغلون مراكزهم الرفيعة في الحكومة منذ 5 سنوات كاملة ولحد اليوم..
من نتائج الأنتخابات الأخيرة في اَذار / مارس 2009 تكليف المالكي للمرة الثانية قيادة دفة السلطة، وضمن نهج المحاصصة وتقاسم المغانم جرى تغيير وزراء: البيئة والصحة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارات أخرى ذات علاقة بالمشكلات البيئية وتداعياتها الصحية.وهم يمارسون مهامهم منذ عدة أشهر، بيد ان رئيس الوزراء لم يتخل عن موقفه الذي سلكه في حكومته السابقة، متجاهلاً المشكلات البيئية الساخنة، ولا أدل على ذلك من عدم إدراجها، بل ولم يفكر بها، ضمن أولويات حكومته الحالية.. فلماذا، ولمصلحة من ؟!!
قبل أيام قلائل أعلنت لجنة الصحة والبيئة بان المرحلة المقبلة ستشهد معالجة وازالة التلوث الإشعاعي المنتشر في بعض مناطق العراق.وقال عضو اللجنة النائب حبيب الطرفي ان"العراق بحاجة الى ان ينظر بجدية لمثل هذا النوع من المخاطر التي تحيط به وألمت بالكثير من أبناء الشعب من خلال تفعيل عمل وزارة البيئة وتوفير جميع وسائل النجاح لها".وتابع بإن" البيئة في العراق تعتبر من الأمور المعقدة والتي يجب الاهتمام بها،مشيراً إلى إن الوزارة المختصة بذلك وهي وزارة البيئة لم تكن تحضى بالأهمية المطلوبة وبالتالي فان هذا يعتبر خطأ كبير وخلل غير طبيعي في عملية البيئة والاهتمام بها،لافتاً إلى ان تسلسلها بين الوزارات يكون في المرتبة الثانية والعشرين وهذا دليل واضح على عدم الاهتمام بهذه الوزارة التي تعتبر من أهم الوزارات".وأوضح ان" وزارة البيئة يفترض ان تكون هي المقياس الحقيقي لأمور كثيرة ويجب أن يوفر لها المناخ الملائم لعملها ومفاصل الدولة بالكامل وتكون حاضرة في كل شئ،معتبراً عملية تهميش البيئة بهذه الصورة خطرة جدا ويجب إعادة النظر بالوزارة التي تعتبر من الوزارات المهمة جدا،وفي اغلب دول العالم المتطور تعتبر من الوزارات السيادية،أما في العراق فتعتبر في ذيل الوزارات وهذا أمر خطير"("الاخبارية"،4/6/2011
وقبل هذا، أقرت وزارة البيئة العراقية وجود مناطق عديدة في العراق ملوثة بالإشعاعات. وقال وزير البيئة سركون لازار في تصريح للصحفيين خلال زيارته لمحافظة كربلاء ان "هناك العديد من المناطق في البلاد تعاني من مشكلة التلوث الإشعاعي ومنها محافظات كربلاء والبصرة والموصل وغيرها"، مشيراً الى ان مخلفات الحروب التي خاضها البلد في السنوات السابقة من اهم مصادر التلوث الاشعاعي،. مبيناً بان القضاء على التلوث الأشعاعي يحتاج الى وقت وامكانيات كبيرة ("اَكانيوز"، 12/5/2011).
فهل ستحقق الحكومة الحالية خلال ما تبقى من عمرها ما لم تحققه الحكومات السابقة لمرضى السرطان ولمهمة التخلص من التلوث الأشعاعي ؟
شخصياً لا أعتقد ! لأن الحكومة ولدت عليلة، هزيلة، وعاجزة، ولذا خيبت آمال معظم العراقيين !
وهل ستنجح لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي الحالي بطرح مشكلة التلوث الأشعاعي ومحنة الأمراض السرطانية على مجلس النواب لمناقشتها وإتخاذ ما يلزم بشأنها تشريعياً،وإلزام الحكومة بوضعها ضمن أولوياتها، فتحقق منجزاً لم تفلح بإنجازه نظيرتها في الدورة السابقة، التي يوجد عدد غير قليل من إعضائها في الدورة الحالية ؟..
الواجب الوطني والأنساني والأخلاقي والناخب يلزمها بذلك !..
----
* د. كاظم المقدادي-منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق